تعترضنا يوميا عند تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي العديد من الإشاعات التي لا نعطيها اهتماما ونتجاهلها ولكننا هذه المرة حقيقة أمام اشاعة من الحجم الثقيل "مضحكة" من حيث محتواها وطريقة صياغتها وتركيبها ومن حيث اتساع خيال كاتبها، ومن ناحية أخرى "مبكية" او "مؤسفة" لأننا وعند قراءة محتوى التعاليق نتأكد فعلا من وجود مشكل عميق: مرضى أو أقارب للمرضى يصدقون ويسعون لتطبيق ما يرد في المقال ويقعون فريسة للآمال الكاذبة، ومثقفون يصدقون ما يرد في هذه المقالات بل وينشرونها.
هذه المرة كانت الإشاعة حول عدم وجود مرض السرطان وتعريفه بأنه نقص في الفيتامين ب17 (vitamine b17) مع العلم ان المقال الأصلي صدر أول سنة 2014 باللغة الإنجليزية وتم تناقله الى عديد اللغات حتى تمت ترجمته ووصل الينا الى اللغة العربية بصيغته الحالية (ندعو الى قراءة المقال أولا لقد وضعنا صورته في الأسفل).
يبدأ كاتب المقال الحديث على ان السرطان ليس مرضا، ثم يقول أن السرطان هو "عبارة عن نقص في فيتامين ب17 ليس أكثر"!!! ثم يعود ليتحدث على أساس أنه مرض ويقدم له حلولا مع العلم ان هذا المقال -الإشاعة- يحتوي داخله على أخطاء لغوية وأخطاء منهجية (الإنكار ثم الإعتراف) ويحتوي على اشاعات فرعية حيث أنه لا وجود علميا للفيتامين ب 17 مع العلم أن آخر فيتامين من العائلة "ب" هو الفيتامين ب12 ربما يبحث بعضكم عن الفيتامين ب17 في الإنترنات وسوف يجد بعض المقالات التي تتحدث عنه، لكن علميا لا وجود لهذا الفيتامين أصلا ومن كثرة ما تم تناقل المقالات في المنتديات حتى أصبح هذا الفيتامين موجودا او "أوجدوه" وأصبحنا نجد مثل هذه الأخطاء العلمية في مواقع تعتبر كبرى وموثوقة.
يعود الكاتب ليعطي اسما آخر للفيتامين ب 17: "الأميجدالين"، ويبدأ بتعداد الأغذية التي تحتوي على مادة الأميجدالين.
لكن هنا تكمن الكارثة، فالأميجدالين عبارة عن سكر سيانيدي وهو مركب سام يوجد خاصة في بذور بعض الفواكه مثل بذور التفاح ولب المشمش المر وتتميز عادة هذه البذور بمرارة طعمها، حيث يمكن لبضع حبات من بذور التفاح أن تقتل طفلا صغيرا إذا ما مضغها وبلعها، ومن لطف الله بعباده ان أغلب البذور المحتوية على مادة الأميجدالين تكون صعبة في الكسر لذلك لا تتعرض الى عملية الهضم اذا ما تم بلعها عن طريق الخطأ.
من الأساليب العصرية المتبعة في صياغة الإشاعات ان يتم تقديم مصادر علمية لكي يحس القارئ أنه يقرأ مادة علمية موثوقة وعادة ما تكون هذه المصادر غير محتوية أصلا على المعلومات التي قدمها الكاتب، وفي بعض الأحيان يكون المصدر غير موجود أصلا ويتم تحرير المقال بطريقة لا تدعو للقارئ مجالا للشك بصحة المحتوى خاصة عند استعراض بعض الكلمات العلمية المؤثرة مثلا: "وقد ذكر د/ هارولد دبليو مانر، في كتاب بعنوان "نهاية السرطان Death of Cancer ، "والتي شهدت ازدهارا كبيرا بعد الحرب العالمية الثانية"، "وقد قال الدكتور فلان أن" وهنا يتم احتواء القارئ نفسيا فيصدق كل ما يرد بهذا النوع من المقالات خاصة عند وجود معلومات صحيحة مخلوطة مع أخرى خاطئة ليصل الكاتب لهدفه.
ربما يقول البعض انه جرب بعض ما يجد في هذه الإشاعات وأنه شفي أو أنه يعرف من جرب وشفي
عادة ما تكون الحالة النفسية لأصحاب الأمراض الخطيرة متدهورة وفي هذه الحالات يحاول المرضى الإمساك بأي خيط يمكن أن يوصلهم للشفاء، وتصل الحالة النفسية بالمريض الى ان يستعمل حتى العلاجات التي لا يصدقها وذلك أملا في الشفاء، كأن يقولوا للمريض بأن يأكل ثعبانا أو لحم ذئب أو غيرها من الخرافات لكن وعند حصول الشفاء ينسب المريض شفاءه لذلك العلاج الذي لم يكن يؤمن به ولم يكن يصدقه ناسيا بقية الأدوية والعلاجات والأغذية التي كان يتعاطاها جنبا الى جنب مع الدواء الخرافي والتي يُرجح أن تكون هي سبب شفاءه، فينسب بذلك عملية الشفاء إلى ذلك الدواء الخرافي.
ملاحظة: يمكن أن يتناول البعض كميات من قلوب التفاح ولا يحصل أي يتسمم ذلك لأن عملية التسمم مرتبطة بعدة عوامل أهمها مستوى المادة السامة نفسها ومدى الإستعداد الوراثي لتجاوب المريض مع المادة السامة، والعمر ومحتوى المعدة الذي يسبق تناول المادة السامة، وعوامل أخرى داخلية (مناعية وهضمية) وأخرى خارجية.
تحتوي عائلة الفيتامين ب على 8 فيتامينات فقط وهي:
ملاحظة: نلاحظ ظهورا متتال لفيتامينات اخرى غير موجودة مثل فيتامين ب4 وفيتامين ب10 وفيتامين ب 16 وغيرها وهو ما يؤشر لظهور اشاعات أخرى سترتبط بهذه الفيتامينات في المستقبل، فالآلية لنشر الإشاعات الطبية تعتمد على "فرش الأرضية ثم البناء".
بعد ظهور هذا المقال وانتشاره تقريبا الى جميع اللغات بدأت بعض الشركات الوهمية غير المعتمَدة من قبل وزارات الصحة باستغلال هذه الإشاعة عبر إنتاج بعض الأدوية التي يطبعون على أغلفتها الخارجية فيتامين ب17 (b17) أو يطبعون عليها الأميجدالين وتجدر الإشارة الى أن هذه الأدوية لا تخضع للمراقبة الصحية وتنتشر عبر مسالك توزيع غير شرعية والله وحده يعلم ما مكوناتها، وعادة ما تقوم هذه الشركات بانتداب موظفين تكون مهامهم نشر هذا النوع من الإشاعات في المنتديات وتنتدب مترجمين ومختصي تسويق الكتروني ومختصي "سيو" حيث يتم تعزيز وزن هذه المواضيع في محركات البحث والمنتديات ومواقع التواصل الإجتماعي ويكون محتواها في الغالب التحدث عن تجارب شخصية ناجحة للعلاج ب الأميجدالين وما يسمى فيتامين ب17 وتكون هذه المواضيع كاذبة طبعا، (ولا ننسى أن نشير أيضا الى أن هناك من ينشرها جهلا دون قصد، وهناك من ينشرها قصدا لجلب الزوار الى موقعه أو مدونته أو صفحته
البعص الآخر من هذه الأدوية يمكن ترويجه عبر مسالك توزيع قانونية فيكون المحتوى قانونيا ومراقبا حيث تحتوي هذه الأدوية على مكونات أخرى مثل مضادات الأكسدة ويكون الإسم الخارجي فيتامين ب17 أو الأميجدالين، حيث تسمح جميع القوانين الصحية والغذائية العالمية بتسمية أي دواء أو أي مكمل غذائي بالإسم الذي يريده المُصنِع وفي المقابل يجب على المُصنِع التنصيص على المكونات في المنتج بكل دقة وهو ما يسهل على هذه الشركات ترويج منتجاتها قانونيا حتى في الدول المتقدمة، مثلا: يمكن لشركة ما إنتاج منتج تسميه في الغلاف الخارجي "خل التفاح" لكن وعند قراءة المكونات نجد أن المحتوى: خل أبيض، ملون، عطر، مادة حافظة. وهنا يقع المشتري في الفخ كغيره فيشتري ذلك المنتج ظنا منه بأنه خل التفاح.
الأقسام الرئيسية
المقالات السابقة
3 التعليقات
محسونة 2017-09-27
أنا من رأيي، ان هذه العلاجات لا تؤخذ عند مريض السرطان عافانا وعافاكم الله إلا إذا عجز العلاج الكيميائي عن معالجة هذا المرض، وأصبح على المريض أن يعوّل على بدائل علّه يصل إلى الشفاء، والأعمار بيدي الله، هذا ما استنتجته عند كل من تحدّثت معهم في مستشفى السرطان والذين تماثلو للشفاء، علما وأن أخي مريض، فالكثير منهم من أخذ العلندة للمناعة، شيء لا يصدّق، ومنهم من أخذ القرافيولا، ومنهم من أكل لحم الأفعى، ومنهم من شرب البنجر الأحمر، ومنهم من أكل حيوان في الصحراء مثل الأرنب ويسمّى الشفشة، ونرجع لنقول أنه "إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"، فمنهم شاب في مقتبل العمر قد أخذ كل هذا ولم يشفىالصيدلي خليل البلوي 2017-02-13
المادة قديمة الإكتشاف وتم الترويج لها بشكل غريب.. وأيضا ممنوعة من الهيئة العالمية.ولا يهمنا تاريخها أو اسمها بقدر ما يهمنا نتائج الدراسات الحقيقية التي اجريت على هذه المادة .
وللأسف لا يمكن إثبات فاعلية هذا الدواء في علاج السرطان أو التخفيف منه ..
والعكس أيضا أننا لا يمكننا أن ننفي فاعليته خصوصا وقد ثبتت علاقته وتأثيره على الخلايا السرطانية .
وأنصح بعدم الإلتفات لهذا الدواء طالما كان السرطان تحت سيطرة الأطباء .. أما إن خرج عن السيطرة فلا مانع من تجربة العلاج تحت مسئولية المريض نفسه بوجود متابعة دقيقة واستشارة الطبيب المعالج بشكل يومي لمراقبة الآثار الجانبية المتوقع حصولها.
فلكل داء دواء والله المستعان
Ben Moula Momamed 2016-10-06
لا يوجد انسان صحيح يأكل هذه البذور فما مصدر امداده بهذا الفيتامين ؟ انا راجعت الكتاب الذي تحدثتم عنه وهو فعلا موجود لكن واضح انها خزعبلات لترويج كتابه. الشئ الصحيح هو تأمر شركات الادوية المنتجة لادوية السرطان الباهظة الثمن. و لكن تأمرها يكمن في قمع التجارب الجدية لعلاج السرطان باستخدام مناعة الجسم بدلا من ادوية السرطان السامة. هناك تجارب قليلة نجحت في الاختبارات المعملية في تحفيز الجهاز المناعي للشخص المصاب بالسرطان لمهاجمة خلايا السرطان و القضاء عليها. و لكن استكمال هذه التجارب يحتاج لتكنولوجيات متقدمة و اموال باهظة للصرف علي هذه الابحاث الامر الذي تحاربه شركات الادوية المصنعة لادوية السرطان للحفاظ علي مكاسبها المالية الخرافية.